في يوم من أيام الشتاء والبرد يهجم على الأرض الرطبة فيجمد الحياة ليلاً فما من احد يخرج حالما يبدأ الغروب ,ثم نتجمع حول المدفئة النفطية (صوبة) وترافقها موقدة النار (جولة) ويكون عليها إبريق الشاي معد ويخرج منه البخار على مهل ونستعد لمشاهدة الكارتون كان على ما أذكر كارتون( سنان) فلقد كنا نعشق الرسوم المتحركة فتأخذنا الغبطة حين يبدأ عرض الكارتون ولكن انقطاع التيار الكهربائي دائماً وأبداً يميت تلك الفرحة فتهرع والدتي كي توقد السراج (السراي) وهو عبارة عن قنينة تملئ بالنفط وينزل فتيل من القطن حتى يسحب النفط وتسد فوهة القنينة بالتمر أو العجينة وهذا ما كان يفعلونه أهل الريف في الزمن الماضي فأن الحالة الاقتصادية جعلت الكثير يرجعون إلى السراي فلا يستطيعون شراء الفانوس وكنا نحن نعاني من قلة الوارد المادي , وهذا الشيء لا يعنينا نحن الصغار وإن ما حصل في تلك الليلة لقد بكى أخي الصغير فهو يريد مشاهدة الكارتون وحاول والدي إسكاته فلم يستطيع , ثم قال له تعال احكي لك حكاية.فتجمعنا حول أبي وبدأ بسرد الحكاية(حكاية الشيخ غراب)كان ياما كان في قديم الزمانكان هناك ملك شديد البأس سريع الغضب له جيش قوي غزا الكثير من البلدان حتى أصبح كبيراً في العمر فاقترح عليه الوزير بالزواج (يا مولاي يجب عليك أن تتزوج وان تنجب طفلا كي يرث ملكك )فأستحسن الملك الفكرة وتزوج وأنجب طفلاً ولكن مرضت زوجته فهجرها ورغب بالزواج مرة أخرى وتزوج امرأة جميلة جداً فانشغل بها كثيراً وترك تلك الزوجة وأخذ يناديها بالبايرة(والبايرة هي كلمة تطلق على الأرض البور التي لا زرع فيها) وابنها اخذوا ينادونه بابن البايرة حتى انجبت الزوجة الأخرى صبيين فأخذ بدلالهما وعلمهم جميع ما يتعلمه أبناء الملوك من فروسية وعلم وأدب وترك ابن البايرة مهملا له إلى أن كبروا الأولاد وأصبحوا في مبلغ الرجال فتمرض الملك مرضاً شديداً وجائت له الحكماء فوصفوا له وصفه تفاحة الصبا في ارض ملك الجان وهي ارض مخفيه وعلى شرط من يحضرها هو من اقرب إليه فدعى أولادة الاثنين من الزوجة الثانية وأخبرهم بالبحث عن التفاحة وأعدو لهم العدة وذهبا في طريق الغابة .ولما طال غيابهما اخبره الوزير بأن يبعث خلفهما ولده ابن البايرة وعلى الفور استدعاه وأمره بالبحث عن شقيقيه فذهب سيراً على الأقدام ولم يهيئ والده الملك له حتى ولو حمار فسار ابن البايره في الغابة وهو رابط الجأش غير مبالي بالأخطار إلى أن وصل إلى مفترق الطرق فوجد لافته معلقة على الطريق وبها سهم يشير إلى احد الطرق ومكتوب(درب الصد ما رد) والسهم الآخر يشير إلى الطريق الآخر ومكتوب (درب الندامة من مشى بيه خسر حصانه)
واختار ابن البايرة طريق الصد ما رد وذهب في ذلك الطريق حيث بدأ منذ الوهلة الأولى انه طريق خطر تكثر فيه الأحراش وتصدر الأصوات في كل مكان , وأشياء تتحرك وأعواد شجر تتكسر تحت الأقدام ولكن بطلنا له من الشجاعة والإقدام الكثير فهو غير مبالي بكل ذلك ,اخذ يسير وهو يفكر ويتسائل هل إن أخويه عبرا من هذا الطريق وأين هما الآن يبدو إن هذا الطريق لم يسلكه احد منذ فترة طويلة فلا توجد آثار غير آثار الحيوانات المفترسة وفي هذه الأثناء طار طائر بسرعة من أمامه ويتناثر من خلف الطائر رذاذ لامع كأنه قوس قزح ذو ألوان بهية فتعجب ابن البايرة غاية العجب وقال (سبحان الخالق ما هذا الطير الجميل )وظل الطير يحوم في الجو ثم يحط على شجرة ويطير مرة أُخرة دون أن يغيب عن نظر ابن البايرة فقال(مالِ هذا الطير وكأنه يريد مني أن اتبعه سوف اذهب ورائه مهما حصل) وكان الطير يطير مسافة ثم يحط على غصن شجرة ومن ثم يطير مرة اخرة وابن البايرة يتبعه إلى أن وصل إلى كوخ قديم بعد أن هطل الظلام وكان النور يصدر من ذلك الكوخ فتقدم على مهل ووصل إلى الباب فنادى (هل من احد هنا ) ,أجابه صوت (ادخل يا بني كنت انتظرك ) ودخل ابن البايرة إلى الكوخ فوجد رجل عجوز له لحية بيضاء طويلة يأخذ منها شعرة ويخيط بها ثوباً فتعجب ابن البايرة من ذلك وبدت عليه علامات الحيرة ,ماذا يفعل مثل هذا الشيخ هنا في غابة مخيفة ولكن لم يتمم تساؤله حتى بادره الشيخ الكلام (إنهم يدعونك ابن البايرة )قال ابن البايرة(وكيف عرفت ؟)قال الشيخ(اني اعلم عنك الكثير ,هل غايتك أخويك أم التفاحة)قال ابن البايرة(الاثنين معاً)قال الشخ(إن أخويك في أحسن حال وقد اختارا الطريق الآخر ,وتستطيع أن تجدهما عند عودتك بعد أن تجلب التفاحة , وطريقك يا بني عسير جداً وفيه أهوال كثيرة )قال ابن البايرة (و إن يكن فأبي الملك يحتاجها)ثم فجأة دخل الطائر إلى الكوخ ونثر بجناحية وتحول إلى فتاة فائقة الجمال ,بهت ابن البايرة لما حصل وتحير في أمر الطائر لقد ابهره جمال الفتاة قال الشيخ (تلك هي حفدتي ,إنها مسحورة وأنا أخيط لها ثوب من لحيتي لكي أخلصها من ذلك السحر )قال ابن البايرة(وكيف حدث ذلك ومن سحرها)قال الشيخ(لا أستطيع إخبارك ,فمن يعلم بسرها ومن سحرها فسوف تموت على الفور)وبات ابن البايرة تلك الليلة متحيراً حزين على ما أصاب الفتاة من لعنة ولكن ليس بيده شيء يفعله .وفي الصباح قال الشيخ( يا بني عندما تقطع الغابة سوف يلاقيك جبل عليك اجتيازه , هذا ما أستطيع إخبارك به ,وسوف تلقى العون إن شاء الله)
عندما يجد المرء نفسه في تحدي حقيقي لا مجال حتى يختبر نفسه فيكتشف انه لديه طاقه كامنة تتحرر بمجرد أن يتعرض إلى حدث ما وهذا ما حصل مع ابن البايرة حينما خرج من الكوخ وسلك طريق الجبل وهو يمشي مسرعاً تارة وأخرى بحذر ,أحس بأن هناك شيئاً يتبعه فوقف يتلفت يميناً وشمالاً ثم شاهد نمر اسود كبير الحجم ,هو من كان يتبعه فلم يتأخر النمر حتى أنقض عليه وهنا تحررت طاقة هائلة فركض سريعاً والنمر من خلفه يجري حتى صعد إلى شجرة عالية والنمر الأسود يتبعه غير أن النمر هجم عليه لكي يفترسه ولكن ابن البايرة استدار بسرعة وطعن النمر طعنه جائت بأجله على الفور .هذا التحدي جعل أبن البايرة يزداد ثقة بأنه قادر على جلب التفاحة ولو كانت في فم ملك الجان نفسه .وأخيراً اجتاز الغابة ووصل إلى سفح الجبل فجال ببصره هنا وهناك حتى وجد كوخ يشبه كثيراً كوخ الشيخ في وسط الغابة فتقدم نحوه فوجد الشيخ نفسه وقال متعجباً(ما الذي جاء بك هنا )تبسم الشيخ وقال(يا بني ذلك الشيخ في الغابة هو أخي فلا تتعجب انه يشبهني كثراً, وهو لم يخبرك بأمري لكي لا يكون سبب في هلاكك وهلاك ابنته المسحورة)ففهم ما كان يقصد الشيخ من كلام ولاحظ أيضاً إن هذا الشيخ أيضاً يخيط ثوباً من شعر لحيته الطويلة ,فقال (يجب علي أن لا اسأل عن ذلك فأنه حتماً مسحور كما أخوه )قال الشيخ(لك عزيمة قوية بوركت يا بني , إعلم إن بعد هذا الجبل توجد مدينة فيها الكثير من الأحجار الكريمة و اللآلئ والدرر ما تسر الناظرين وفيها النساء الجميلات ينادينَ عليك يا بني لا تستجيب لهن حتى تجتاز المدينة فلا تأخذ شيء منها وإن أخذت سوف تهلك لا محالة , عندما تعبر المدينة وهي مسيرة يومين كاملين ستقابلك مخلوقات كثيرة ومثيرة للخوف ذات هيئة وخلقة عظيمة فلا تخاف منها لأنها أليفة ومطيعة ,امتطي واحدة واركلها فتركض بك ولا تخشى سرعتها فأنك لا تسقط منها أبدا بعد حين يسير سوف توصلك إلى مدينة لا تدخل بها إليها واخلي سبيل الدابة وادخل المدينة سيراً على الأقدام في هذه المدينة سوف تجد الناس يعملون ولا يعيرونك الانتباه وكأنك غير موجود وعليك أن تجتهد في سيرك حتى لا يحل الظلام فتجد الشجرة البنية لا ورق فيها سوى ثمار غريبة الشكل ,عليك أن تأخذ منها واحدة تشطرها نصفين بالتساوي ,للحال يأتي إليك مخلوق صغير الحجم له أذنين طويلتين وعينين بارزتين كأنه(سميغل ) يعلمك بطريق ارض الجان المخفية.
توجه ابن البايرة إلى اجتياز الجبل وهنا خامره شعور غريب عن هذه الرحلة الطويلة وتسائل هل بإمكانه إن ينجزها ويعود بالتفاحة ويصطحب أخويه ويعيد كرامة والدته ويغدوا الناس يصيحون هذا ابن الملك البطل وأمه قد علمته الشجاعة .وهو في الطريق يمشي أسعده الشعور الجميل الذي رافق أحلامه فلم يعد يكترث إلى الأهوال التي ربما ترافقه في رحلة البحث عن تفاحة الصباوسرعان ما هطل الليل وأدرك كم هو طويل طرق الجبل وقال(إلى الآن ولم اصل إلى الجبل فكيف الصعود عليه واجتيازه , وهاهو الليل يخيم فلا مكان أبيت فيه وعلى كل حال يجب علي أن اصعد الجبل ) وهم ابن البايرة إلى صعود الجبل ولكنه لاحظ عينان تبرقان على ضوء القمر الخافت وقال(لا بد إنهما عينين لحيوان مفترس ,يجب أن لا أتحرك إلا ببطئ شديد )وأخذ يتحرك نحوه والعينين لا تتحركان من مكانهما فتوقف وقال(إذا كان حيوان مفترس فلماذا لا يهجم علي ,سوف أقوم بحركة مفاجئة) فقفز ابن البايرة قفزه نحو الحيوان ولكنه لم يحرك ساكن وتبين أنه ذئب فقال(سوف اهجم عليه وأطعنه بالخنجر) وهم ابن البايرة لطعن الذئب فصاح الذئب (توقف يا ابن البايرة,لا تقتلني )فتوقف فزعاً وقال(يا ألهي ,سبحان الله,هل تستطيع الكلام )قال الذئب(نعم..... فأنا من الجان وأنا هنا اقضي فترة عقوبتي , وإن ساعدتني سوف أكون خادماً مطيعاً)قال ابن البايرة (وما هو الضمان إذا ساعدك لا تغدر بي)قال الذئب (وعد شرف فأن الجان لا يخلفوا الوعد أبداً)قال ابن البايرة (اسمع إني لا أخشاك وان تفكر في الغدر اعلم إن خنجري يكون أسرع من تفكيرك)قال الذئب (أعلم ذلك فأنك شجاع ,لكني أعدك بالمساعدة إن حررتني)وهكذا تقدم ابن البايرة وأزاح الصخرة التي كانت على قدم الذئب الجني فكانت مسحورة ولا يستطيع احد من الجان إزاحتها سوى الإنسي يستطيع ذلك.وعندما حرر ابن البايرة الجني قال له (بماذا تريدني أن أساعدك)قال ابن البايرة (أريد الذهاب إلى ارض ملك الجان ,واحظر التفاحة )قال الجني (انه طلب صعب فأنا ممنوع من الدخول في هذه الأرض ,ولكني سوف أوصلك إلى اقرب مكان )وصعد ابن البايرة على ظهر الجني وطار به إلى السماء عابراً الغيوم قاطعاً المسافات فوق الجبال والبحار والغابات حتى وصل إلى جبل اسود تحيطه الغيوم السوداء فهبط عند سفح الجبل وقال هذا فراق بيني وبينك ,وإن دخلت الجبل ومسكوك فلا تخبرهم باني أوصلتك إلى هنا ,ووصيتي إليك عندما تدخل الجبل وترى الحراس مغمضين العيون فلا تذهب إليهم عندها يكونون مستيقظين ,وإذا رأيت عيونهم مفتوحة وحمراء فأعلم إنهم نائمون , وكما أريد أن أقول لك شيء لا تنظر إلى بنت ملك الجان فأنك لا تستطع مقاومة جمالها ويكتشف أمرك.........والآن وداعاً)
وقف ابن البايرة وأخذ نفس عميق ونظر إلى الجبل وشاهد قمته العالية والصخور القاسية والحادة ,وثم نظر خلفه وقال(قطعت هذه المسافة وتوغلت في عالم ما كان معروف لدى الجميع وربما أنا أول من وطئت قدمي هذا المكان , فلا يجب أن يهزني ارتفاع الجبل وصخوره )فقد كان هذا سبب ولكن هناك سبب آخر وشعور يدفعه لصعود الجبل ولكن غير واضح لديه ربما إن من واجبه الحصول على التفاحة أو ممكن أن تكون بنت الجان الجميلة , غير انه استبعد تلك الأفكار وعزم على صعود الجبل .صعد ابن البايرة الجبل متسلقاً الصخور برغم التعب فكان يمد يده بقوة ويمسك بالصخرة ويرفع نفسه واستمر هكذا إلى أن أحس شيءً ما تحت يده فرفع نفسه بقوة حتى استقر على صخرة فنظر إلى الإمام وإذا بحبل كان هذا الذي أحس به تحت يده وكان الحبل مربوط إلى صخرة كانت تسد فوهة مغارة وللحال شد الحبل بقوة وأزاح الصخرة ولكن حدث أمر غير متوقع حيث سحبت المغارة ابن البايرة إلى الداخل بقوة فلم يحس إلا وهو في وسط مروج خضراء وزهور كثيفة ,وعندما استعاد توازنه نظر من حوله فوجد الحراس كما أشار إليه الذئب .اختباء بين الزهور والعشب الطويل يراقب الحراس حتى تكون عيونهم مفتوحة وحمراء وظل هكذا فترة طويلة حتى غلبه النعاس فقد كان تعباً جداً ونام .فتح عينيه فوجد النور يخترق بصره فلم يرى سوى وجه كأنه القمر في ليلته الأربعة عشرة وضفائر سوداء لشعر كأنه قطع الليل المظلم فأراد أن يقوم فلم يقدر وكأنه مربوط بالحبال حاول وحاول لكن دون جدوى ثم عاد وأطبق جفونه ونام .نهض ابن البايرة وقال(ياه لقد غلبني النعاس فنمت , ولكن مهلا إني رأيت صبيه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ربما كان حلماً لا أدري , يجب علي أن أراقب الحراس)فلما عاينهم وجدهم على هيئه النوم لذا أسرع وعبر من خلالهم ودخل إلى ارض لم يرى مثلها في حياته ولا في أحلامه ورأى من بعيد قصر كبير ,ذهب إليه متواري عن الأعين حتى دخل القصر فوجد في داخله شجرة التفاح ,أسرع نحوها وبينما هو ذاهب إليها شاهد فرس ابيض جميل له شعر ذهبي فتوقف عنده ليملي ناظرة بجماله وروعته فأنتبه الفرس إليه واخذ يهز رأسه فتقدم ابن البايرة إليه ومسك ناصيته ونظر إلى رجل الفرس فوجدها مسلسله بسلاسل كبيرة فقال له(إهداء سوف أخلصك من هذه القيود بعد أن اخذ ألتفاحه ) هز الفرس رأسه وكأنه فهم الكلام توجه ابن البايرة إلى الشجرة وقطف منها عدة تفاحات ووضعها بجراب ثم عاد إلى الفرس ولكنه شاهد فتاة نائمة على إحدى المساطب في باحة القصر قال(أنها هي من رأيتها في المنام يجب أن أعاينها عن قرب) وتقدم نحوها ورآها عندها انتابه شعور لطيف جعل منه كتلة خفيفة تأخذها الريح ,وبعد برهة صحا وتذكر كلام الذئب وقال (إنها ابنة الجان يجب أن ارحل قبل أن تكتشف أمري , ولكنها أخذت قلبي فبت متيم بها ) ,ولما لم يستطيع كتم مشاعره هبط عليها وقبلها ثم انتزع من إصبعها خاتم ورحل عنها راجعاً الى الفرس ففك الحديد عنه وحطم السلاسل ووجد سرج ولجام ووضعها على الفرس وصعد علية فأنطلق الفرس كأنه البرق .
نادى منادي في أرجاء البلاد ( .....لقد عاد ابن الملك ,عاد الشجاع مع التفاحة بصحبة الفرس الأسطوري.....الفرس الذي يسابق الريح قاهراً ملك الجان ....)فخرجت النساء تزغرد والأطفال يركضون ليشاهدوا بطلهم ابن البايرة حث لا يستطيع احد مناداته بهذا الاسم بعد اليوم .كما أمر الملك بخروج الموكب العسكري الملكي لاستقباله , وتزيين المدينة بالكامل ويطلق المساجين من الحبس وتعلن الأفراح لمدة شهر كامل ,ثم خرج أبوه الملك لاستقباله , وأمه كانت بجانب الملك فقد عادت إلى مكانتها التي سلبت منها .تقدم الملك إلى ولده وقال(لقد اثبت انك ملك وابن ملك , أعذرني يا بني لما بدر مني في حقك وحق والدتك) لقد طار من الفرحة حين سمع ذلك الكلام واستمرت فرحته بعد هذا الحلم الجميل الذي رافقه وهو على الفرس فترة من الزمن منتشياً تأخذه الغبطة في طريقه للعودة ثم قال(كم ذلك رائع ,حين يحدث مثل هذا التصور الجميل وأستعيد حقي في والدي الملك , وأمي تعوض حرمان السنين ) نزل من على الفرس وأخذ يمشي معه ويكلمه (يا ترى هل فعلت الصواب عندما قبلت بنت ملك الجان؟ وهل كان لي الحق في فعل ذلك ؟ولماذا فعلت ذلك ؟ أهي سحرتني أم عشقتها منذ أللحظه التي رأيتها , كما أني حلمت بها قبل أن أراها ,فوجهها الصبوح وضفائرها الطويلة السوداء ,جعلت مني شخص .....لا اعرف ماذا أقول وكيف أعبر......ما رأيك يا حصان؟) هز الحصان رأسه وكأنه فهم الحدث فال ابن البايرة (كم أنا محظوظ عندما وجدتك يا حصان) لم يمضي وقت طويل حتى شارف الوصول إلى الغابة التي انطلق منها وقال(يا حصاني ,إن قلبي يخفق بشدة فالحنين إلى وطني يجعلني أتوق الوصول بسرعة ,والعين تكاد خرج من محجرها وتذهب لرؤية أمي كم اشتاقها , فقد هان الصعب بعد قليل نصل إلى مفترق الطرق , ثم ابحث عن شقيقي , وأجدهما لكي أثبت للجميع أني أستحق التقدير كملك , واستعيد مكانة والدتي بين نساء البلاط)وصل إلى مفترق الطرق وتوجه إلى الطريق الثاني (طريق الندامة من مشى فيه خسر حصانه) ونظر إلى حصانه كثيراً وقال(يجب علي أن أتركك ترحل فأنا أخشى أن أخسرك في هذا الطريق ) نزع عنه السرج واللجام ,وضرب الفرس ضربه بيده جفل منها الفرس وانطلق يعدو بين الأشجار حتى غاب عن نظره .انطلق أبن البايرة في طريق الندامة وتوغل كثيراً حتى شاهد من الزهور تعدد الألوان , وأسراب الفراشات يغزو المكان وحدائق الأعناب والشجيرات الجميلة والطرق معبدة وآثار العجلات مطبوع على الأرض فقال(عجيب كيف يسمونه طريق الندامة ,فهذا طريق الجنة لما يحويه من زهور وأشجار تسر الناظرين , عجباً رأيت في هذه الرحلة ) بعد مسيرة قصيرة وصل إلى بوابة ضخمة يبدوا إنها بوابة المدينة ,فتقدم نحوها وشاهد الحراس واقفون ,دنا منهم وقال(كيف حالكم وما أسم هذه المدينة فأنا رحال غريب) أجاب احد الحراس (إنها مدينة الندامة فتفضل يا زائر خذ كل الوقت وتمتع )دخل ابن البايرة إلى المدينة فأذهله العمران والتصميم الجميل لمعالمها وقال(ما بال هؤلاء القوم يسمونها مدينة الندامة ,فكل ما فيها يبعث السرور ,الكل يعمل والناس في هرج ومرج ,والكل ينظف ويغسل ,والكثير يدخلون الحانات ,يبدوا إن الجميع هنا من الأغنياء) ثم بدأ بالسؤال عن أخويه حتى طال به الوقت وأخذه الظلام ,شعر بالنعاس والجوع ,توجه إلى إحدى الحانات ودخل فيها ثم نادى على النادل وجاء له وعند رؤيته للنادل صرخ وقال( أخي ) فنظر إليه الخادم وصاح (أخي أبن البايرة )نعم ,فقد كانا أخويه يعملان في هذه الحانة لتسديد ما عليهما من دين ,وأخبراه بما جرى لهما ,فبعد خروجهما من مدينتهما ووصلا إلى مفترق الطرق , فقال احدهم (هل يجب علينا السير ف طريق الصد ما رد )قال الآخر(لا.....لا ...أبداً ....فلا وجود لتفاحة الصبا , هذا هراء...)وهكذا دخلا مدينة الندامة , ومن عاش في الترف الفاحش فسد وهذين الأخوين فاسدين ,عندما شاهدا هذه المدينة وما فيها من ملاهي طار عقليهما وانفقا ما لديهما من نقود حتى خسرا حصانيهما وتعدى الأمر إلى رهن نفسيهما إلى صاحب الحانة مقابل مبلغ بسيط لإنفاقه في ملذاتهما , وبعد أن كانا ملكيين أصبحا خادمين . قال ابن البايرة (لا تقلقا ,سوف أوفي أجريكما ) ولما كان المبلغ كبير لم يستطيع ابن البايرة سداده لذا اضطر للعمل الشاق حتى يوفر النقود لتحريرهما )إلى
وفي الطريق اخبرهما ابن البايرة عن ما جرى له وكيف حصل على التفاحة مهملاً أمر بنت الجان خجلاً ,فكانا شقيقيه يتعجبان ويثنيان عليه ,وراودت احدهم الهواجس وما سوف يحصل إن عادوا إلى المملكة سوف تتجه الأنظار إلى ابن البايرة ويكونان هما في خبر مضحك والناس تناديهما بالفاشلين ,ويكون ابن البايرة هو المفضل عند الملك ,قال(لا يمكن أن يحصل ذلك جب أن نتصرف),وبداء الشيطان بالوسوسة فتوجه نحو أخوه أيقضه من النوم (انهض .....يا أخي...انهض...كم أنت بليد)ففتح عينيه الآخر وقال(ما بالك ولماذا توقضني في هذا الوقت للتو قد نمت )قال(أسمع ,أن هذا ابن البارة سوف يأخذ كل شي منا ويكون هو البطل وهذا الشيء محال) اطرق الآخر قليلا ً ثم قال(وما العمل)قال(نقتله ونأخذ التفاحة) استحسن الآخر الفكرة وعزما على تنفيذها .الحسد ووسوسة الشيطان هي سبب مشاكل البشرية منذ أن خلق الله نبينا آدم عليه السلام وأمر إبليس بالسجود إلية فأبى إبليس واستكبر حسداً , وقال يخاطب الله عز وجل(خلقتني من نار وخلقته من طين فكيف اسجد له وأنا ارفع شأناً منه ) فكان إبليس أول من حسد آدم (ع) والكل يعرف ماذا حصل بعد ذلك ثم أمتدت آفة الحسد إلى ولدي آدم (قابيل)و(هابيل) وعندما بدأت بذرة الحسد عند قابيل زينها الشيطان حتى تطورت إلى حقد ومن ثمة إلى ارتكاب الجريمة و وصولاً إلى النبي محمد (عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله الأطهار) فقد حسده أهله وكبار قومه لتفضيل الله له في النبوة والمكانة التي وصل إليها بفضل أخلاقه وتهافت الناس إليه والدخول في دين الإسلام فقد تولد حسدهم إلى حقد اسود , كما أن اليهود حسدوا النبي محمد (صلعم) لأنه خاتم النبيين, وحسدوا المسلمين لأنهم خير أمة وأحسن من معشر اليهود , وإن ما وصل إليه المسلمين من مصاعب وآلام ما هو إلا ناتج من حسد اليهود والنصارى .وهنا في هذه الحكاية نرى إن الحسد أدى إلى تآمر الأخوين على شقيقهما فغدرا به وضرباه على رأسه وأخذا التفاح وانهزما عائدين إلى المملكة .كانت البايرة عينها على الطريق فكانت صلواتها ودعائها بعودة ولدها هو الرفيق الوحيد لديها , وفي هذا اليوم كانت جالسة على الشرفة تنتظر فسمعت منادي يصيح,(يا أيها الناس.....يا سكان المملكة ....أنتم مدعوون إلى حضور حفل الترحيب بابني الملك البطلين ,فقد عادا وبصحبتهما التفاحة .....) أنخطف لون البايرة وسقطت مغشيه عليها ,يعني أن أبنها لم يعود ,ولم يجلب أي شيء , فقد حلت اللعنة عليها وعلى ولدها .كان الملك سعيد جداً , متباهياً بولديه العزيزين فلم يسأل عن ابن البايرة وما حل به ,فجمع الحكماء لكي يشاهدوا التفاحة الأسطورية والكل اثبت بالإجماع إنها هي وقرروا بعد ثلاثة أيام عند اكتمال القمر يأكل الملك التفاحة فيعود شاب صغير السن ,وبات الملك مسروراً ليلته سرمدية شفافة بينما كانت البايرة تكابد الحزن والهم والقلق على أبنها .وفي الصباح عقد الملك مجلساً كبير دعا كبار الدولة وعامة الناس لسماع حكاية ولديه ,فبعد مد السماط وأكل ما لذ وطاب ,شرع الكذابين بتأليف القصص عن كيفية حصولهما على التفاحة وكيف قتلا آلاف من الجان ودخولهم عنوة إلى ارض الجان وتوسل ملك الجان بهما ومن هذا الكثير (الكذب ليس عليه ضريبة).وباتوا الكل مسرورين فقد أقيم الاحتفال وشربت الناس ألوان المشروباتوأما ما جرى لإبن البايرة فعندما ضرباه في الحجارة على رأسه فقد الوعي فترة ثم فتح عينيه فوجد فرسه عند رأسه يلعق وجهه ,نهض مترنحاً ومسك بالفرس وقبله وقال(الحمد لله فقد بعثك إلي رحمه , أنا مدين لك بحياتي ) ثم عاد إلى البيت عندما حل الظلام ,فوجد أمه قد أرهقها الحزن وبعد البكاء قالت له (شقيقاك عدا بالتفاحة وأنت بماذا عدت بخيبة الأمل )قال( أمي أرجوكِ لا تعاتبيني فانا لا أستطيع الكلام , فأن الظلم ملازمنا أرجوكِ سامحيني والصبر هو وسيلتنا) حكى ابن البايرة جميع ما وقع له من الأحداث وأمه تصبر علية , وتقول أجعل عينك بعين الله وسوف يجعل لك مخرجاً. أن جمع المبلغ ودفعه
إلى صاحب الحانة وأخرجهما من المدينة .
هذه الليلة الأخيرة وسوف يعود الملك شاباً يعيد أمجاد الماضي ,ويذهب إلى ارض الجان ويمتلك قصره ويكون الملك الذي عاد إلى الحياة مرة أخرى فيكون الحاكم الأوحد في البلاد كلها , ونام مطمئن ملئ جفونه ,غير إن أمراً مريع جرى خلال الليل وعند الصباح هرع الحاجب إلى الملك يصرخ ( مولاي ....يــــــــــــــــــــــا مــــووووو لالالالا ي ) نهض الملك مفزوعاً مرعوباً يصرخ (ماذا حصل يا غراب النحس يا مشؤوم .....تكلم وإلا قطعت رأسك ) قال ( هناك جيش جرار على مشارف المدينة يمتلكون العدة وعددهم يغطي الأسفار ) فذهب الملك على الفور يستعلم الأمر فوجد رجال الحاشية مجتمعين يرتعبون فقد غطى غبار العسكر الأجواء وكان المنظر يثير الرعب وأن هؤلاء الجنود يحملون من العدة الشيء الكثير من أنواع الأسلحة التي لم يشاهدوا مثلها ولم تمضي إلا دقائق حتى وصل الجيش إلى قصر الملك وأحاطوه فتقدمت عربه تجرها الخيول الجميلة مزكرشه بالجواهر والأحجار الملونة التي تسرق النظر وعندما توقفت العربة نزل منها ملك له هيئه مختلفة عن بني البشر ويلبس لباس مطرز بالذهب ونزلت معه حسناء أذهلت الناظرين من حسنها وجمالها ,وقال الملك (قدومكم على الرحب والسعى ,حللتم أهلا ونزلتم سهلا ) فأجابه الملك الغريب (خلال ساعة واحدة أن لم تسلمنا الشخص الذي سرق تفاح الصبا سوف تكون مدينتكم في خبر كان ,ما عاش الذي يتجرأ ويقبل ابنتي بدر الجان المنير ,ويأخذ خاتمها ويسرق البرق الخاطف أفضل أحصنتي , أين ذلك المعتوه ) وهنا بدأ اللغط في الحديث والناس المتجمهرين يتسائلون هل يقدم الملك ولديه فقال الملك( حسناً ,يقول المثل إن عرف السبب بطل العجب ,وإن تعلم بقصة أخذ التفاحة سوف تسامحنا ) فقالت ابنه ملك الجان (مستحيل أن نسامحكم يجب أن تحظروه وإلا .....) فلما عرف الملك بنيتهم الصادقة في تحطيم البلاد على رؤوسهمقال (أحظروا ولدي ) ولكن الشقيين هربا واختبئا في موقد النار ,بحثوا عنهما ولكن دون جدوى فأخبروا الملك بذلك عندها أشار ملك الجان لشخص وقال أحظرهما وفي سرعة البرق جاء بهما وعليهم آثار السخام من الموقد , وهم يصرخون نحن لم نفعل أي شيء ابن البايرة فعل كل ذلك انه ابن البايرة , أحظروا ابن البايرة , تعجب الحاضرون عند سماعهم ذلك الخبر فقال الملك (هل ما تقولان صحيح ) أجابا (نعم ) وحكيا ما جرى لهما مع ابن البايرة , وفي هذه الأثناء جاء ابن البايرة مع والدته إلى القصر خائفاً أن يحطم جيش الجان المدينة ,برغم معارضة والدته من الذهاب ولكن أبى أن يكون سبب خراب المدينة ,فقال لهم نعم أنا من فعل ذلك , ولما رأته ابنة الجان أعجبت بشجاعته ,وقالت لوالدها( دعني أعاقب ذلك الرجل) , فقال( لك ذلك ) قالت اسمع يا ابن البايرة أمامك شهر كامل لتنقذ مدينتك بأن تجلب لي خبر( الشيخ غراب )* وتروي لي حكايته فأنا اعلم بها وإن أحظرتها كما أعلمها تنقذ ألمدينه وإن لم تفعل اعلم بأن هذه المدينة سوف تسحق بما فيها قال ابن البايرة (أنا افدي مدينتي بحياتي سوف أحظر خبر الشيخ غراب .استعد ابن البايرة إلى الرحلة الجديدة نحو المجهول حيث مدينة الشيخ غراب يقولون عنها إنها في عالم الخيال ,وعند رحيله تجمع حوله الناس من كل أرجاء المملكة يتأسفون عليه فقد جاد بنفسه من أجلهم ونذر حياته لإنقاذهم فهو البطل الذي تصبوا إليه العيون ألان.
مرة ثلاثة أيام من المسير المتواصل في ارض القفار , لا بشر فيها ,أرض موحشة , وهمه متزايد كيف يجد مدينة الشيخ غراب وأين وجهتها في الشرق أو الغرب ,لا يعلم..... تسائل مراراً وتكراراً ماذا لو لم يستطيع الحصول على قصة الشيخ غراب ؟ ماذا يحل بالمدينة ولماذا لم تنتقم بنت الجان منه مباشرة وأعطته هذه المهمة المستحيلة كلها كانت تدور في رأسه والكثير من التساؤلات جعلت منهُ مشوش الفكر ولزمه الخوف من ضياع فرصة إنقاذ مدينته .قطع الكثير من الفراسخ في حثيثهُ المتواصل حتى شاهد في السماء طيور كأنها طيور النورس فقال(لابد إن هناك بحر ) فسارع الخطى حتى تبين البحر الأزرق , فوصل إلى هناك ووجد الحياة في الساحل ولم يكمل إلا خطوات حتى وجد البحارة يريدون الإبحار هرع إليهم مسرعاً , وقابل رئيس البحارة وسأله عن وجهة مدينة شيخ غراب , فلم ينفعوه بشيء لإنهم لا يعرفونها , ورحل ابن البايرة مع السفينة إلى رحلة المجهول , البحر طبيعة جميلة ومنظرة يبعث إلى الهدوء فكانت طيور النورس تحوم حولهم فقال احد البحارة وهو كبير في السن وله خبرة كبيرة في الإبحار (اليوم عليكم الانتباه , يبدو إن عاصفة هوجاء قادمة ) نظر ابن البايرة إلى السماء ووجد الصفاء يعم السماء وقال (كيف يفتي هذا الشيخ بالعاصفة ومن أين يعلم , هؤلاء البحارة غريبين فعلا) , سرعان ما حل الظلام وبعد هنيهة جائت العاصفة , اشد مما صورها الرجل البحار فلم يصمدوا فتحطمت السفينة وتناثرت في عرض البحر الواسع فمن غرق ,غرق بلا اثر ومن تشبث بلوح خشب إلى متى يبقى صامداً .وبطلنا ابن البايرة كان الله به رحيماً حيث جرفته العاصفة وهو على لوح الخشب إلى الساحل ولما شرب الكثير من ماء البحر أغمي عليه ليلتة ٌ كاملة وفي الصباح استفاق على صوت العصافير المزقزقة , نهض وتابع السير بين الأشجار قاطعاً الغابة حتى اطل على مدينة فهم إليها فوجد شخصين يتنازعان وعند ما شاهده صاحوا علية( يا رجل , أحظر عندنا ) فجاء لهما قال احدهما (يا رجل الخير نريد أن تفتينا في أمر ) قال ما هو قال احدهما (أنا وجدت هذا الخرج ) صاح الآخر (أنا من وجدته) ثم صار بينهما صياح وجدل فصرخ بهما ابن البايرة( اسكتا لقد وجعتما رأسي , ما في هذا الخرج)قال أحدهما( يوجد شيئين عجيبين أولهما البساط الطائر والثاني الإناء العجيب ) قال ابن البايرة ( وكيف يكونان وما عملهما) فرش أحدهما البساط وجلس علية وقال بعد أن ضرب على البساط (طير أليها البساط) فطار البساط صاح عليه ابن البايرة انزل , نزل به البساط بعد أن قال له اهبط , ثم قال ابن البايرة( وما هو عمل الإناء) قال( تضرب على الإناء وتطلب ما تتمنى من الطعام فيكون في الإناء على الفور), فقال(احدهما إنهما لي )قال ابن البايرة( عندي الحل ) صرخا (أعطنا الحل بسرعة)قال(تسابقوا ومن يفوز يصبح كل شيء له) استحسنا الفكرة وبدء السباق وعندما انطلقا فرش ابن البايرة البساط وجلس عليه ثم ضرب البساط وقال(خذني إلى مدينة الشيخ غراب) فحلق البساط وسط دهشة الرجلين متهم احدهما الأخر بالحمق ، ولما طار البساط اخذ المسار وحده فعبر البحار والسهول والجبال حتى وصل إلى مدينة الشيخ غراب
المدينة كانت كبيرة وعامرة بالمنازل والأسواق وعلى طراز حديث والناس يبدوا عليهم الراحة والترف ، لما دخل ابن البايرة إلى المدينة توجه الى سوق قريب وقال (أنا غريب ويجب أن أتكلم وأتصرف بحذر وأن لا أسيء الأدب حتى وإن تعدوا علي بسوء من القول وأطبق المثل يا غريب كن أديب ) أعتقد ابن البايرة أن الناس هنا يعرفون قصة الشيخ غراب وعندما أخذ نظرة فاحصة لما حوله تقدم نحو رجل علية وقار وسأله بعد السلام ( أتسمح لي بسؤال يا سيدي) نظر إليه الرجل وقال( أتيت من أجل قصة شيخ غراب ) تفاجئ ابن البايرة وقال بذهول (كيف علمت) قال الرجل (كل غريب في هذه المدينة يبحث عن تلك القصة المشئومة ) قال ابن البايرة ( وهل تعلم أنت بهذه القصة) قال الرجل ( ما من أحد يعلم القصة ويبقى على قيد الحياة ، ارجع من حيث أتيت )اتضح من كلام الرجل إن القصة صعبة المنال وثمنها حياته وعلم أيضاً من الكثيرين إن هناك كم هائل من الذين جاءوا إلى هذه المدينة يطلبون القصة وجميعهم لقوا حتفهم على يد الشيخ غراب ولكن ما في اليد حيلة عليه أن يحاول سماع القصة والهرب من قبضة الشيخ غراب من أجل ألاف الناس الذين ينتظرون الفرج على يده .وصل إلى ديوان الشيخ غراب الذي يجتمع فيه أهل المدينة مرتين في اليوم مرة عند الظهر في فترة الغداء و مرة عند الليل حيث كان الناس يأكلون الطعام في هذا الديوان , كان الشيخ غراب هو المسؤول عن إعداد الطعام إلى كل فرد ويمنع الناس من أخذ حبة حنطة واحدة حيث يجمع كل ما يزرعه الفلاحين ويضعه في مخازنه وهذه سياسته في إدارة البلاد حيث يقول( يجب على الكل أن يعمل من اجل الكل حتى ينال الغير قادر على العمل والعاجز والطفل على الطعام , الفلاح يزرع ويحصد للجميع , والبَنَاء يعمل للجميع والحكيم يعالج الجميع (الفرد للجميع والجميع للفرد).فكانوا الناس يأخذون الزرع عند الشيخ غراب , وهو بدورة يأمر بطبخ الطعام وبخبز الخبز ويأمر بتوزيعه الكل فرد وعن بقية الاحتياجات يوفرها لهم مثلاً يوفر الأحذية لكل واحد من خلال تجنيد مجموعة من الناس في خياطة الأحذية مقابل الطعام والشراب واللباس وتوفير السكن وهكذا ففي المدينة البيوت متشابهة والملابس مشابهة والطعام للجميع يأكلون صنف واحد فلا وجود للمال في مدينة الشيخ غراب جلس ابن البايرة مع الحاضرين في هذا الديوان الكبير عندما أمتد السماط وسكب الطعام في أواني ثم صاح شخص تفضلوا كلوا ومن لديه حاجة عند الشيخ يأتي بعد الظهر , أكل ابن البايرة الطعام مستغرباً من النظام في مدينة الشيخ غراب ثم قدموا الشراب وانفضوا الناس إلى أعمالهم, وفي وقت ما بعد الظهر توجه إلى الديوان مرة أخرى لمقابلة الشيخ غراب فوجد هناك طابور من الناس يريدون مقابلة الشيخ , والحاجب يدخل علية واحداً تلوى الآخر, وصل الدور عند ابن البايرة ودخل فلم يرى سوى رجل كبر هزيل جالس وحدة على الأرض فقال في نفسه (هل هذا الشيخ غراب كنت أضنه لي من البشر ) فسمع صوت أجش (قل ما حاجتك) قال ابن البايرة ( أنت هو فعلا الشيخ غراب) قال( وهل عندك شك ) قال ابن البايرة (كنت اضن الشيخ غراب ليس من البشر) ضحك الشيخ غراب وقال( وما الذي جعلك تضن ذلك) قال ابن البايرة (الظواهر التي شاهدتها أمامي فالكل يطيع والكل يمشي على صراط مستقيم وأنا اشك بأن من يفعل ذلك من البشر , فحسب علمي أن الإنسان متمرد ومن الصعوبة السيطرة علية فبرغم الموانع الجزائية والعقوبات والدين والشرطة , لديه من الوقاحة في العصيان و ارتكاب الجرائم ) قال الشيخ( هذا صحيح ولكن الهداية من الله ) ولان ماذا تريد من الشيخ غراب قال ابن البايرة (حكايتك)نظر الشيخ غراب إلى ابن البايرة وقال (ارجع من حيث أتيت وأنسى حكاية الشيخ غراب, ارحم شبابك ) قال ابن البايرة (يا شيخ ثمن حكايتك رقبتي وأنا أعرض عليك رقبتي مقابل حكايتك ) شاهد الشيخ غراب الإصرار الواضح لدى ابن البايرة فقال له إذن تعال معي لكي أريك شيءأخذه الشيخ غراب إلى قصر عالي ودخل معه في إحدى الغرف وكانت هذه الغرفة مقفلة ومحكمة وبعد فتحها وجد ابن البايرة عشرات الرؤوس معلقا وكان منظرها مقرف جداً ,قال الشيخ( هؤلاء سمعوا بقصتي وهذا ما آل إلية مصيرهم, هل أنت موافق ) قال( نعم ) توجه الشيخ غراب وابن البايرة إلى الغرفة الخاصة لقص الحكاية له وكانت شديدة الإحكام فلا يمكن سماع حرف واحد خارجها وبدأ الشيخ غراب الحكاية.
إعلم يا بني إن الناس في كل أرجاء البلاد من شرق وغرب وشمال وجنوب لا يمكنهم العيش دون قائد يرشدهم و يدلهم على الطريق , وهناك نوعان من القادة أحدهم ليس بالضرورة أن يكون أعلمهم أو أرشدهم بقدر أن يكون أجرأهم وأكثرهم حيله فيجيد فن الإقناع , ويمسك العصا من المنتصف , والأخر يكون مؤمناً ورع تقي يخاف الله فيحكم بحكمه ويسددهُ والله ويوفقه للحكم بالعدل.و أنا كنت من النوع ألأول وصلت إلى الحكم بالحيلة والمكر والدهاء , وأعوان أشداء غلاظ في تنفيذ حكمي , حكمت ممسكاً العصا من المنتصف ساعة أطغي وساعة أسامح وساعة أفسد وساعة أصلح حتى جائت الغنيمة ,حسناء بهية ذات جمال ورق ودلال ,قدمها لي احد القادة كهدية حصل عليها في غزوتنا الأخيرة , فتزوجتها وأقمت احتفالاً كبيراً رقصت فيه الناس وشربت وأكلت ما لذ من الطعام , واستمر الحفل أياماً وليالي لم أفرح مثلها في حفلات الزواج ألاثني عشر السابقة .يا بني لم يدوم ذلك طويلاً ,حتى اكتشفت خيانتها ففي كل ليلة نحظر فيها الدفوف وتغني المغنيات وتعزف الألحان تبدأ بالرقص ثم تسقيني شراباً تعدهُ بنفسها لذيذ الطعم فأشرب حتى أرتوي وبعد قليل أفقد توازني وأنام كالمغمي علية وعندما استيقظ في الصباح أجدها بقربي على السرير ممزقة الثياب حالها يرثى له , استغرب الأمر كثيراً واسألها عن السبب فتخبرني بأني من فعل بها ذلك واني كنت مجنوناً ولم ترى رجل مثلي بهذه القوة و وحين أجد نفسي ناحل الجسم اصدق بها.استمر الحال فترة من الزمن وقلت في نفسي (ما الذي يجرى , أصبحت ناحل الجسم سريع التعب كثير النعاس بعد زواجي ) فراودني شك عظيم وفي ليلة من الليالي لم اشرب الشراب الذي قدمته لي وتظاهرت بأني اشربه ثم نمت كالعادة , اقتربت مني وصاحت (يا شيخ ..يا شيخ...) لم أرد جواباً ثم عادت وأيقظتني (يا شيخ... نمت ...لا أيقضك الله ..يا شيخ النحس ...لا قعدت ولا صحيت ...يا مشؤوم) كنت اسمع والغضب يتطاير كالشرار ولكني صبرت على نفسي وقلت مهلاً حتى أرى ماذا تفعل , ثم ذهبت ولبست أجمل الثياب و وضعت أطيب العطور و خرجت , نهضت على الفور وذهبت خلفها اتبعها من طريق إلى أخر حتى وصلت طريق الغابة ثم دخلت بين ألأشجار و الأحراش تمزق ثيابها وشاهدت القطع الممزقة من أثوابها السابقة , فلم أستطيع تصديق ذلك وهممت أن اقضي عليها بسيفي البتار ولكني قلت اصبر حتى ترى ماذا يحصل , وبعد برهة من الزمن أقبلت على مغارة ودخلت فيها وأنا من ورائها دون أن تعلم, وبعد دخولها صاحت (يا قرة عيني ومهجة روحي ) فخرج لها عبد اسود صاح بها (لماذا تأخرتي أين كنتِ يا عاهرة) قالت( انتظرت إلى أن نام ذلك الملعون) اسودت الدنيا بعيني حين سماعي ذلك فقلت( سوف أحرق قلبها لا اقتلهما الآن) وبعد أن قضى حاجته منها ضربها وقال( عودي إلى ذلك الأحمق ) وحين خرجت انقضضت علية كالليث وقطعت رأسه وعدت مسرعاً قبل أن تعود هي إلى القصر وذهبت إلى السرير كأني على نوميوفي الصباح , كالعادة, كان جوابها مماثلاً كما في كل مرة وبعد مرور وقت قليل وضعت رأس العبد (بمناسبة رأس العبد من منكم يتذكر نستلة رأس العبد في العراق كان طعمها لذيذ ) في طشت وغطيته بغطاء وناديتها ثم قلت لها ارفعي الغطاء وحينما رفعت الغطاء ورأت رأس العبد شهقت شهقة عظيمة وصرخت فركضت إلى صندوق وأخرجت عصى وتقدمت نحوي وصاحت بكلمات ثم ضربتني وقالت( كونك جلب (كلب) فأصبحت كلب .
أخرجتني ركلا إلى خارج القصر وأصبحت في الشارع أرى الناس تمشي وأنا أتصرف مثل الكلاب أهرب من المارة ,فيركض ورائي الصبية يضربوني بالعصي والحجارة ,أصرخ عليهم ولكنهم يسمعوا مني النباح وتواريت بين الأشجار وبقيت اندب نفسي متحيراً في أمري كيف حدث هذا الأمر , قرصني الجوع وخرجت ابحث عن طعام فكلما اذهب إلى مكان يطردوني دون أن أأكل شيء حتى وصلت إلى جزار فوقفت أمام دكانه , قام هذا الجزار ورمى بقطعة لحم إليَ ذهبت لها شممتها ثم ابتعدت عنها ووقفت مكاني ثم رمى بقطعة من الشحم فلم أتقرب منها تعجب الجزار ولما رآني انظر إليه أقترب مني فلم أهرب وقال(ماذا دهاك أيها الكلب لماذا لا تأكل ) ثم ذهبت نحو الدكان وفتحت الصرة التي كانت هناك وأكلت الخبز والتمر فقد كان غداء الجزار , والجزار يتعجب ويقول ( حقا هذا أمر عجبا , كيف لا يأكل اللحم ويأكل الخبز , سوف أأخذة إلى المنزل عندما ذهب بي إلى منزله وضعني في باحة المنزل وثم جاء بزوجته وهو يخبرها بأمري ,عندما رأتني صاحت وغطت وجهها وقالت(يا أبو فلان ما هذا كلباً) قال( ويحك فما يكون,ذئباً مثلاً ....هل جننتِ , وأغاب الله رشدكِ ,فلا تعرفين الكلاب) قالت (لا أقصد ذلك ...ولكن هناك سر , وأنت تعلم باني كنت أعمل مع العجوز شواهي ذات الدواهي) قال (أيكون رجلاً) قالت( بلا شك, سوف أحظر العجوز إلى هنا) ذهبت المرأة على الفور فلم تغب طويلاً حتى عادت معها عجوز أن رأتها الحامل للفور تجهض جنينها من الفزع , تقربت إليً وصاحت( رحماك ربي هذا رجل )ثم أدخلتني الدار وصاحت على المرأة بأن تجلب لها أشياء وأدوات , وبدأت العمل وهي تتكلم بكلمات لا انزل الله بها من سلطان وبعد أن انتهت رشت علي بعض من الخليط الذي صنعته فأحسست بعصر وألم حتى رجعت إلى سابق عهدي الشيخ غراب , وحين رأوني ذهلوا وخافوا فقلت لهم لكم الأمان فلا تخبروا أحد بذلك , أخذت عليهم العهود والمواثيق وقالت العجوز شواهي خذ يا شيخ هذه العصا و اتلوا هذه الكلمات ( ..............ثم أضربها وقل لها كوني على الهيئة التي تريدها أن تكون)خرجت مسرعاً نحو القصر ودخلت عليها فوجدتها تبكي وتنوح وقد عملت(( صوباط) (صومعة)) وضعت الرأس في داخله وسط الغرفة عنها هممت لضربها ولكني تعثرت وسقطت لما انتبهت شرعت إلى العصا وضربتني من جديد وقالت( كونك حمار) فتحولت إلى حمار.
صرخت على الحاجب فجاء مسرعاً وقالت (خذ هذا الحمار وضعه مع حيوانات الشيخ ),أخذني الحاجب و وضعني في الزريبة مع الخيل والحمير , فكانت ليلة حقيرة تمنيت الموت على هذا الأمر , وفي الصباح أخرجوني مع بقية الدواب وربطوا اللجام والمحراث علي وساقوني إلى الحرث في البداية لم أتقدم خطوة واحدة وأبيت جر المحراث فأنهال علي بالسياط ذلك الغبي الفلاح الموكل لزراعة الأرض التي تعود إلي وقلت(إذا عدت إلى طبيعتي سوف أعاقب هذا الفلاح شر عقوبة...لقد آلمني كثيراً )وبدأت الحرث في أرضي منذ بزوغ الفجر إلى الغروب ويعطوني الحشيش لكي آكل فأتجرع المرارة في كل يوم حتى دام ذلك عدة أيام وفي اليوم التالي جاء السايس وقال للفلاح نريد الحمار و أخذني ذلك السايس وحمل على ظهري القطن وجال بي المدينة , يا بني إن سكان مدينة الشيخ غراب كانوا يتكلمون علي فقد كنت أثقل كاهلهم وعيشتهم أصبحت صعبة وسط الضرائب وعلمت وأنا (حمار), كم كنت قاسي على الناس وأنا (إنسان ) فقررت أن أهرب , فانتهزت فرصة تفريغ الحمولة من على ظهري وانشغال السايس وهربت أجري بسرعة و السايس من خلفي حتى دخلت الغابة ففقد السايس أثري وبقيت في الغابة مدة من الزمن أأكل من حشيش الأرض ونباتها مهموم حزين أفكر كيف سبيل الخلاص , حتى تذكرت شواهي ذات الدواهي وقلت كم أنا حمار لماذا لم أفكر فيها , وكيف لا وأنا فعلاً حمار .وللحال ذهبت إلى بيت ذلك الجزار حتى وصلت فطرقت الباب بحافري , فخرجت المرأة وعرفت في الحال أمري , أدخلتني إلى البيت وذهبت ونادت العجوز شواهي وحررتني , فعدت الشيخ غراب , قالت العجوز (يا شيخ دعني أتولى أمر هذه الفاجرة ) فقلت (لا ...سوف أقوم أنا بعقابها هذه المرة ) و أخذت العصا و ذهب وكلي عزيمة بأن أأخذ ثأري فتسللت إلى صومعتها وهناك سمعت أنينها وبكائها ,انتهزت الفرصة وضربتها ونطقت لا شعورياً (كوني دجاجة فصارت دجاجة , فتعال وشاهدها ), فأخذ ابن البايرة إلى المرحاض كان سجنها أكلها وشربها من الكنيف) هذهِ قصة الشيخ غراب ....... والآن أعطني رقبتك فقال ابن البايرة (لك ذلك ولكن دعني أصلي ركعتين على سطح القصر ) قال (هل تفكر بالقفز , القصر جداً عالي فإن قفزت سوف تموت على كل حال أذهب وصلي) ذهب أبن البايرة مع الشيخ غراب حتى وصلا إلى السطح فتوجه أبن البايرة إلى الصلاة ففرش البساط وطرقه طرقات عليه وقال (خذني إلى ديرة أهلي ) فطار البساط إلى أعالي السماء وقعد الشيخ غراب يندب حظه ويقول افتضح سرك يا شيخ غراب ...يا فضيحتاه.وهكذا في ظرف وجيز جاء هذا البطل ومعه الأمان والسلام إلى وطنه الحبيب , وبعد الاستقبال والترحيب قص على بنت الجان وأبيها القصة فقالت بنت الجان( إنها صحيحة , وأنت بطل , بعد إذن والدي فأنا أعرض عليك الزواج ) وهكذا تزوج أبن البايرة من بنت الجان وحكم البلاد إلى إن جائهم هازم اللذات ومفرق الجماعات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق