نظرت إلى المرآة قبل خروجي للتأكيد من إن ذقني شديد النعومة لا يوجد و لا شعرة واحدة كما إن الهندام العسكري متكامل فلا يوجد نقص من الإشارة على (البيرية)وهي غطاء الرأس العسكري والخيط الأحمر على الكتف ,كل شيء على ما يرام وعلى أتم وجه من الأناقة العسكرية .
أخذت حقيبتي كانت ثقيلة جداً لما فيها من كعك وخبز وبعض من البيض المسلوق والبطاطا والسكر والشاي وهو متاع يعينني على أيام الجوع في الجيش خلال تواجدي هناك في الوحدة العسكرية فهي كانت ضمن قطعات الحرس الجمهوري المتواجدة في مدينة الكوت في منطقة الحسينية , ويستغرق وقت وصولي عدة ساعات في الحافلة من مدينة البصرة إلى مدينة الكوت تتملكها الكآبة والحزن والهم فكانت أقدامي بالكاد تخطوا إلى الكراج في( ساحة سعد ) وكنت معتاداً على السفر ليلاً حتى يتسنى لي النوم ولو قليلاً في الحافلة عندما تقطع المسافات في سواد الليل و يخامرني ذلك الشعور الكئيب والتساؤلات لماذا علينا الذهاب إلى الجيش وتحمل الذل في ظل قيادة لا تعرف الرحمة و الضحك على عقول الناس بكذبة الحرس الجمهوري فهو غير جدير بالدفاع عن شبر واحد من الأرض في أيامه الأخيرة, وهكذا كل مرة استغرق في التفكير ولا أنام حتى اصل إلى مدينة الكوت .
ولكن هذه المرة خرجت متوجهاً إلى المرآب وأنا شديد الانقباض حيث لم يكن في جيبي سوى أجرة الحافلة وبعض الدنانير التي بالكاد توصلني إلى مقر الوحدة مما زاد من توتري وقلقي المبرر حيث إذا ما حصل عطل في الحافل أبقى بدون وسيلة نقل لان سواق الحافلات لا يعيدون النقود إلى المسافرين في حال حدوث مثل هكذا مواقف ,لما وصلت إلى الكراج متوجها لموقف حافلات بغداد سمعت دلال الموقف يصيح نفر واحد وننطلق هيا أسرعوا فأسرعت وصعدت إلى الحافلة ومشيت في ممر الحافلة حتى وجدت الكرسي الفارغ بجانب فتاة ملتفة بعباءة و في حجرها شيء وعلى ما أضن انه طفل رضيع فجلست بهدوء ومن خلال لمحة سريعة لوجه الفتاة وجدته شاحب وعيناها منتفختان وكأنها بكت كثيراً وكانت مطرقة نحو النافذة .
منذُ انطلاق الحافلة لمدة ساعة كاملة كنت قد حاولت النوم بوضع البيرية على وجهي فلم أستطيع حتى أن أغمض عيني وخلال ذلك كنت انظر بين الفينة والأخرى إليها فأجدها كما كانت أول مرة و الغريب إن الطفل لم يتحرك ولا حتى بكى , مما أثار حفيظتي , فقلت يجب علي أن اعمل حركة وأكلمها فعهدت إلى حقيبتي كانت تحت قدمي وأخرجت بعض الكعك وتناولت واحدة ثم توجهت لها وقلت تفضلي كلي أدارت علي ومدت يدها وأخذت الكعكة وبالكاد حركت شفتيها متمتمة بكلمة شكر على ما اضن فتناولت الكعكة بنهم فعرفت إنها جائعة جداً ثم أعطيتها واحدة أخرى أخذتها وشكرتني فقد سمعت كلماتها , فقلت(لا داعي للشكر يبدوا انكِ جائعة كلي هنيءً (بالعافية) ) لا اعرف كيف أخذتني على هذه المرأة الرأفة وأحسست أني قريب جداً منها لذا دنوت بجسمي قليلا نحوها و وضعت البيرية على وجهي وأغمضت عيناي وغفوت فكنت بين النائم والصاحي ويبدو حلمت إني أضع يدي على شيء وكنت فعلا واضع يدي على فخذها انتفضت فزعاً بعد أن لمست نعومة العباءة وتوجهت بنظري نحوها وللحال قالت( ماذا تريد مني ؟ ) قلت ( أنا آسف جداً فقد كنت نائم و...)قالت (لا تكمل ..وإن تريد ثمن الكعك أمهلني حتى نصل)قلت( بالله عليكِ لا تأخذيني بذنب فأنا ما كنت اقصد شيء أرجوكِ)قالت (حسناً)أحسست بالخجل فأحمر وجهي واتقد بالحرارة فعاودت القول(أرجوكِ سامحيني )قالت(لا بأس) عندها قلت لها بدافع الشفقة على الرضيع (كيف حال الطفل) وهنا انتفضت وانزوت نحو النافذة وقالت بتردد وارتباك(بببب ب خير) قلت (هل هو نائم) قالت( نعم) , بكت المرأة وضمت ولدها إليها وأخذت تشمه وسط استغراب وقعتُ به وتساؤل حتى إني لم أستطيع صبراً قلت( كيف تسافرين وحدكِ بهذا الليل) قالت( غصب عني)قلت (هل تستطيعين إخباري؟) قالت( ولماذا؟) قلت ( لا اعلم .... ولكني أحببت معرفة ذلك) قالت( وهل تستطيع مساعدتي) قلت (على الرحب والسعى) تبادر في ذهني أن نوع المساعدة هي النقود وبما أني لا املكها يكون الاعتذار أمر سهل ولكن كان قولها لي أربكني (خذني معك ...أكون خدامتك ..أرجوك خذني أعيش معك أو مع أي شخص تراه مناسباً ....أرجوك) حالها وكلامها يبين صدقها وتبادرت في ذهني الكثير من الأفكار والظنون السيئة منها أن هذا الطفل غير شرعي فقلت( هل تواجهين مشكلة في الشرف ) قالت (معاذ الله ...الله يبعدني عن الفاحشة ... هذا ابني .... إنه.....انه.....ميت) كأنها صاعقة نزلت علي فلم ادري ماذا جرى وحصل من طنين وصداع ورهبه ومددت يدي مزيح العباءة فوجدت ذلك الطفل الشاحب ذو الشفاه الزرقاء والعيون الغائرة وهالة السواد تحوط محجريه كدت أصرخ بها ولكن قالت( أرجوك أستر على )
قلت لها( أخبريني بكل شيء) .
في يوم من الأيام جاء أخي من العسكرية وبرفقة زميل له في الجيش ونزل في بيتنا وقمت أنا بخدمتهما فأحبني صديق أخي و لم يدم الأمر طويلا حتى جاء مع أهله وخطبني وتم الزواج برغم المكان البعيد حيث يسكنون في الشمال و نحن نسكن في الجنوب , وبعد الزواج والذهاب إلى هناك ومنذ اليوم الأول وجدت المشاكل والصعوبات أمامي حيث كانت والدته قاسية جداً وهو مدمن على الكحول وشقيقته لها لسان سليط ولكني صبرت حتى صار عندي هذا الولد وفي يوم كنت تعبة جداً فذهبت كي ارضع الولد وتركت شغل البيت فجاءت والدته وأخته وضربتاني حتى أغمي علي ولما جاء زوجي في الليل وهو سكران حد الثمالة فلم يفهم مني كلمة واحدة فضاقت الدنيا بعيني وتذكرت أهلي والعز الذي كنت فيه بكيت كثيراً حتى أجهشت بالبكاء فدخلت علي أخته وأخذت تضربني فدفعتها وأخذت ولدي واستنجدت بأخيه في وسط البيت حال بيني وبينها دافعاً إياها بعيداً عني وقال (أذهبي إلى غرفتي وأنا أصلح الأمور) وعندما جاء دخل الغرفة وأغلق الباب قلت( ماذا تريد أن تصنع) قال( كوني معي وسوف تسعدين أخي لا ينفعكِ)و تهجم علي فلم يكن لدي خيار أخر غير إن أضربة بقنينة زجاجية على رأسه وكان بها حامض (تيزاب أو مية نار) ثم ذهبت إلى غرفتي وأخذت بعض النقود وهربت من المنزل حتى وصلت إلى الكراج الموحد وقررت الذهاب إلى أهلي في الجنوب و ركبت الحافلة ولم اعلم أين وجهتها وانطلقت الحافلة وخلال ساعات وصلت إلى بغداد ثم نزلت وبعد السؤال قالوا لي أن هذه الحافلة سوف تتوجه إلى الجنوب فركبت بها وانطلقت بي حتى وصلت إلى البصرة وهي ليست المكان الذي أريده .
وفي هذه الأثناء وقفت الحافلة في مطعم عند منتصف الطريق في علي الغربي ونزلنا فأخرجت البيض والبطاطا مع الخبز من الحقيبة وجلسنا نأكل والطفل الميت في حجرها
أخذت حقيبتي كانت ثقيلة جداً لما فيها من كعك وخبز وبعض من البيض المسلوق والبطاطا والسكر والشاي وهو متاع يعينني على أيام الجوع في الجيش خلال تواجدي هناك في الوحدة العسكرية فهي كانت ضمن قطعات الحرس الجمهوري المتواجدة في مدينة الكوت في منطقة الحسينية , ويستغرق وقت وصولي عدة ساعات في الحافلة من مدينة البصرة إلى مدينة الكوت تتملكها الكآبة والحزن والهم فكانت أقدامي بالكاد تخطوا إلى الكراج في( ساحة سعد ) وكنت معتاداً على السفر ليلاً حتى يتسنى لي النوم ولو قليلاً في الحافلة عندما تقطع المسافات في سواد الليل و يخامرني ذلك الشعور الكئيب والتساؤلات لماذا علينا الذهاب إلى الجيش وتحمل الذل في ظل قيادة لا تعرف الرحمة و الضحك على عقول الناس بكذبة الحرس الجمهوري فهو غير جدير بالدفاع عن شبر واحد من الأرض في أيامه الأخيرة, وهكذا كل مرة استغرق في التفكير ولا أنام حتى اصل إلى مدينة الكوت .
ولكن هذه المرة خرجت متوجهاً إلى المرآب وأنا شديد الانقباض حيث لم يكن في جيبي سوى أجرة الحافلة وبعض الدنانير التي بالكاد توصلني إلى مقر الوحدة مما زاد من توتري وقلقي المبرر حيث إذا ما حصل عطل في الحافل أبقى بدون وسيلة نقل لان سواق الحافلات لا يعيدون النقود إلى المسافرين في حال حدوث مثل هكذا مواقف ,لما وصلت إلى الكراج متوجها لموقف حافلات بغداد سمعت دلال الموقف يصيح نفر واحد وننطلق هيا أسرعوا فأسرعت وصعدت إلى الحافلة ومشيت في ممر الحافلة حتى وجدت الكرسي الفارغ بجانب فتاة ملتفة بعباءة و في حجرها شيء وعلى ما أضن انه طفل رضيع فجلست بهدوء ومن خلال لمحة سريعة لوجه الفتاة وجدته شاحب وعيناها منتفختان وكأنها بكت كثيراً وكانت مطرقة نحو النافذة .
منذُ انطلاق الحافلة لمدة ساعة كاملة كنت قد حاولت النوم بوضع البيرية على وجهي فلم أستطيع حتى أن أغمض عيني وخلال ذلك كنت انظر بين الفينة والأخرى إليها فأجدها كما كانت أول مرة و الغريب إن الطفل لم يتحرك ولا حتى بكى , مما أثار حفيظتي , فقلت يجب علي أن اعمل حركة وأكلمها فعهدت إلى حقيبتي كانت تحت قدمي وأخرجت بعض الكعك وتناولت واحدة ثم توجهت لها وقلت تفضلي كلي أدارت علي ومدت يدها وأخذت الكعكة وبالكاد حركت شفتيها متمتمة بكلمة شكر على ما اضن فتناولت الكعكة بنهم فعرفت إنها جائعة جداً ثم أعطيتها واحدة أخرى أخذتها وشكرتني فقد سمعت كلماتها , فقلت(لا داعي للشكر يبدوا انكِ جائعة كلي هنيءً (بالعافية) ) لا اعرف كيف أخذتني على هذه المرأة الرأفة وأحسست أني قريب جداً منها لذا دنوت بجسمي قليلا نحوها و وضعت البيرية على وجهي وأغمضت عيناي وغفوت فكنت بين النائم والصاحي ويبدو حلمت إني أضع يدي على شيء وكنت فعلا واضع يدي على فخذها انتفضت فزعاً بعد أن لمست نعومة العباءة وتوجهت بنظري نحوها وللحال قالت( ماذا تريد مني ؟ ) قلت ( أنا آسف جداً فقد كنت نائم و...)قالت (لا تكمل ..وإن تريد ثمن الكعك أمهلني حتى نصل)قلت( بالله عليكِ لا تأخذيني بذنب فأنا ما كنت اقصد شيء أرجوكِ)قالت (حسناً)أحسست بالخجل فأحمر وجهي واتقد بالحرارة فعاودت القول(أرجوكِ سامحيني )قالت(لا بأس) عندها قلت لها بدافع الشفقة على الرضيع (كيف حال الطفل) وهنا انتفضت وانزوت نحو النافذة وقالت بتردد وارتباك(بببب ب خير) قلت (هل هو نائم) قالت( نعم) , بكت المرأة وضمت ولدها إليها وأخذت تشمه وسط استغراب وقعتُ به وتساؤل حتى إني لم أستطيع صبراً قلت( كيف تسافرين وحدكِ بهذا الليل) قالت( غصب عني)قلت (هل تستطيعين إخباري؟) قالت( ولماذا؟) قلت ( لا اعلم .... ولكني أحببت معرفة ذلك) قالت( وهل تستطيع مساعدتي) قلت (على الرحب والسعى) تبادر في ذهني أن نوع المساعدة هي النقود وبما أني لا املكها يكون الاعتذار أمر سهل ولكن كان قولها لي أربكني (خذني معك ...أكون خدامتك ..أرجوك خذني أعيش معك أو مع أي شخص تراه مناسباً ....أرجوك) حالها وكلامها يبين صدقها وتبادرت في ذهني الكثير من الأفكار والظنون السيئة منها أن هذا الطفل غير شرعي فقلت( هل تواجهين مشكلة في الشرف ) قالت (معاذ الله ...الله يبعدني عن الفاحشة ... هذا ابني .... إنه.....انه.....ميت) كأنها صاعقة نزلت علي فلم ادري ماذا جرى وحصل من طنين وصداع ورهبه ومددت يدي مزيح العباءة فوجدت ذلك الطفل الشاحب ذو الشفاه الزرقاء والعيون الغائرة وهالة السواد تحوط محجريه كدت أصرخ بها ولكن قالت( أرجوك أستر على )
قلت لها( أخبريني بكل شيء) .
في يوم من الأيام جاء أخي من العسكرية وبرفقة زميل له في الجيش ونزل في بيتنا وقمت أنا بخدمتهما فأحبني صديق أخي و لم يدم الأمر طويلا حتى جاء مع أهله وخطبني وتم الزواج برغم المكان البعيد حيث يسكنون في الشمال و نحن نسكن في الجنوب , وبعد الزواج والذهاب إلى هناك ومنذ اليوم الأول وجدت المشاكل والصعوبات أمامي حيث كانت والدته قاسية جداً وهو مدمن على الكحول وشقيقته لها لسان سليط ولكني صبرت حتى صار عندي هذا الولد وفي يوم كنت تعبة جداً فذهبت كي ارضع الولد وتركت شغل البيت فجاءت والدته وأخته وضربتاني حتى أغمي علي ولما جاء زوجي في الليل وهو سكران حد الثمالة فلم يفهم مني كلمة واحدة فضاقت الدنيا بعيني وتذكرت أهلي والعز الذي كنت فيه بكيت كثيراً حتى أجهشت بالبكاء فدخلت علي أخته وأخذت تضربني فدفعتها وأخذت ولدي واستنجدت بأخيه في وسط البيت حال بيني وبينها دافعاً إياها بعيداً عني وقال (أذهبي إلى غرفتي وأنا أصلح الأمور) وعندما جاء دخل الغرفة وأغلق الباب قلت( ماذا تريد أن تصنع) قال( كوني معي وسوف تسعدين أخي لا ينفعكِ)و تهجم علي فلم يكن لدي خيار أخر غير إن أضربة بقنينة زجاجية على رأسه وكان بها حامض (تيزاب أو مية نار) ثم ذهبت إلى غرفتي وأخذت بعض النقود وهربت من المنزل حتى وصلت إلى الكراج الموحد وقررت الذهاب إلى أهلي في الجنوب و ركبت الحافلة ولم اعلم أين وجهتها وانطلقت الحافلة وخلال ساعات وصلت إلى بغداد ثم نزلت وبعد السؤال قالوا لي أن هذه الحافلة سوف تتوجه إلى الجنوب فركبت بها وانطلقت بي حتى وصلت إلى البصرة وهي ليست المكان الذي أريده .
وفي هذه الأثناء وقفت الحافلة في مطعم عند منتصف الطريق في علي الغربي ونزلنا فأخرجت البيض والبطاطا مع الخبز من الحقيبة وجلسنا نأكل والطفل الميت في حجرها
بعد فترة الاستراحة في مطعم علي الغربي عدنا ثانيتاً إلى الحافلة وجلسنا في مقاعدنا ونظرت إلى وجهها الصغير الحزين يكسوه صفرة وتبرز شفتاها بلون اسمر داكن ثم قلت لها وكان لا بد من سؤالها وتكراره عليها مراراً( هل حديثكِ صحيح ...اقسمي.....اقسمي) فكانت كل مرة تقسم وتقول(أنت أول من اخبره بذلك ...و لا اعلم لماذا ...لكوني تائهة في هذا العالم القاسي أو لاني ذاهبة إلى حتفي ....فألقى مصير الموت ..الذي أسلمت له كل حواسي ورغباتي ......أو لكي ابرر غلطتي ..أو لعلك تذكرني فتترحم علي وتقول في يوم من الأيام عرفت امرأة قست عليها الدنيا )قلت لها (يا ليت لم تخبريني , ولم اسمع منكِ ...لكوني عاجز عن مساعدتكِ ..أتعلمين لقد وجعتي قلبي وزاد انكساره فوق انكسار ...أرجوكِ سامحيني فلا نقود لدي و ليس لدي الوقت حتى أوصلكِ إلى بر الأمان) قالت ( لا عليك كتب علي مواجهة البؤس وحدي لا رفيق و لا معين...وسوف اقبل بما كتب علي تكفيراً للذنب الذي اقترفت في حق نفسي ...ما كان علي الفرار ) قلت (أرجوكِ أكملي حكايتكِ) .استطردت بالكلام (عندما مشت الحافلة ذلك الطريق الطويل ونزلت في نفس الكراج الذي ركبت به في هذه الحافلة ) قلت (في ساحة سعد) قالت (نعم......توجهت نحوا سيارات الأجرة ..فقابلني احد السائقين وقال (إلى أين تتجهين أخبرته بأن وجهتي إلى القرية التي أسكن فيها فقال (إنها بعيدة من هنا وستكلفكِ الكثير ...وافقت على السعر وانطق بي إلى القرية وكنت لا اعرف إن في البصرة منطقة تعرف بنفس أسم قريتنا وسار بي قاطعاً مسافة طويلة حتى وصل مكان فيه النخيل والأشجار و تشبه حد كبير قريتنا فاستأنست وفرحت بوصولي إلى أهلي وعندما سلكت طريق ترابي ضيق كما في قريتنا حان وقت الغروب وكلما أجد بيت أقول هذا بيتنا ,مشيت كثيراً وحل الظلام فلا بيتنا ولا قريتنا أحسست بأني تائهة وبين يدي الطفل اسقيه من لبني وألفهُ في عبائتي ولكن البرد بدا يشتد فأحسست بأقدامي تتجمد ولا اعرف ماذا اصنع فالبيوت متباعدة بيت عن الآخر والظلام يثير في قلبي الرعب كما إني اسمع عواء الكلاب ونباحها أسرعت بالخطى وشعرت بأبني ترتفع حرارته عندها بدأت ابكي واقرأ المعوذتين وادعي الله أن ينقذني حتى رأيت أمامي شبح يتقدم نحوي في وسط الظلام بين النخيل وحفيف السعف يبعث الموجات في الهواء فتقدمت نحو ذلك الشبح فلما رآني توقف وصاح بأعلى صوت (بسم الله الرحمن الرحيم) أعوذ بالله منك أن كنت جن أو أنس ) قلت (أرجوك أنا تائهة (الله يخليك ارحمني ودليني على الطريق) فتقدم نحوي وإذا هو رجل كبير في السن قال(ما الذي جاء بكِ إلى هنا ومن أين أنتِ ) أخبرته بأني جئت إلى قريتنا في الجنوب وأضعت الطريق قال(يا بنيتي هذه مدينة البصرة وليس مدينتكِ في الجنوب ) كانت صدمة , أنا التي لم ترى غير قريتنا وبيت زوجي في الشمال جار علي الزمان وجعلني أجوب الأرض بغير علم .أخذني الرجل إلى بيته فكان رحيماً وزوجته من أطيب النساء أوقدوا المدفأة وعملوا الطعام ولكن ابني بدأ بالسعال وضاق نفسه فارتفعت حرارته أخبرت الرجل فقال (يا ابنتي لا يوجد هنا طبيب والمستوصف بعيد جداً ولا يوجد وسيلة نقل, أستهدي بالرحمن وأعملي له كمادات عسى ولعل تخفف عنه الحرارة حتى يحل الصباح فنذهب إلى المستوصف .مرت الليلة وأنا مستيقظة معه في عمل الكمادات ولكن أحواله سائت كثيراً ومنذ الصباح توجهنا أنا والرجل الطيب إلى المستوصف , وصلنا إلى هناك استقبلنا الممرض وقال لا يوجد طبيب اذهبوا إلى المدينة الطفل تعبان جداً أسرعنا إلى المدينة وكان الرجل جزاه الله الخير يهم في إحضار سيارة , وجاء بسيارة قديمة الطراز ليست بتلك السرعة وانطلقنا مسافة طويلة حتى دخلنا المدينة فتوجهنا إلى المستشفى وللحال عملوا الإجراءات الطبية له فقال الطبيب إن الطفل مصاب بذات الرئة وأخشى إننا في مستشفى القضاء لا نستطيع فعل شيء فقد بدأ بالتسمم الجرثومي لذا سوف ننقلكِ إلى مستشفى ابن غزوان للأطفال بسيارة الإسعاف .قال الرجل الطيب( يا ابنتي أذهبي وسوف أوافيك بعد أن اذهب إلى البيت وأحضر لك بعض الملابس والأغطية ) ووضع في يدي بعض النقود ثم ذهب وأنا أرسلوني في سيارة الإسعاف إلى مستشفى الأطفال وبعد مرور ساعة أو اقل وصلت إلى المستشفى فأخذوا ابني إلى العناية الفائقة وحاولوا معه الكثير ولكن لا جدوى فقد مات واخبرني الطبيب بان دمه قد تسمم جرثومياً .بكيت كثيراً واسودت الدنيا بوجهي فلم اعرف ما ذا اصنع الخوف والرعب سكن قلبي ,ولما سلموني جثته طلبوا مني هوية الأحوال المدنية التي تعود له فأخبرتهم انه لا يملك بطاقة فقالوا إذن لا ننظم له شهادة وفاة حتى تجلبي لنا بيان ولادته , فأخذت الطفل وجئت به إلى هنا حيث قررت الرجوع إلى بيت زوجي وأتحمل ما يجري لي .كانت قصتها حزينة جداً والأكثر نبرات صوتها المحمل بالبكاء والألم الذي سكن قلبها و لاحني سواد الحزن فأكثر الهم هماً وأخبرتها بالتوجه إلى أهلها فقالت( لا أريد الذهاب إليهم فالقدر الذي ساقني نحو المصائب يجب عليه أن يكمل مسيرته بالقضاء علي , وأحسن لي من الانتحار , وسوف اقبل بما يفعلون بي ) .وبعد نصف ساعة كانت الحافلة قد وصلت إلى مدينة الكوت وحان نزولي فتركتها ونزلت وعيوني معلقة على نافذتها حتى غابت الحافلة , فبقيت أتذكرها وأترحم عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق