حين اجلس كل صباح في دكاني كان يمر بائع الجرائد و على ذراعه تتوسد الصحف الصادرة هذا الصباح على اختلاف انواعها يجوب فيها السوق القديم ذو الرائحة المزمنه المعهودة التي تعبق المكان و التي ابلاها الزمن حيث اصبح الى الرائحة طعم معتق خاص يتذوقها الشخص قبل ان يشمها متذوق طعم التبغ المزمن و البهارات الهندية غير رائحة المكسرات و الرطوبة القديمة مع البيوت العتيقة تشكل السوق القديم و الذي اعتاد علية بائع الجرائد المسن القديم ايضاً و المواضب على ترك الجرائد على مكتبي بجانب الوصولات و (ستكان الشاي ) و انا بدوري ابدأ القراءة و اقلب الجريدة و في بعض الاحيان ابدأ بها بالمقلوب (اي من النهاية الى البداية ) و كان على العم المسن بائع الجرائد ان يمر عبر الرواق الضيق في كل مرة لكي يدخل السوق و يمر على دكاني ببنيته الهزيلة و قميصه البالي مع البنطال الرصاصي المتهرئ و اقلامه التي تتربع عرش جيبه بأستمرار , كان يضع الجرائد في الصباح ثم يعود بعد ساعة او اثنين يجمع النقود و يتكلم مع الجميع حول ما يدور في الصحف و يتناقش سياسياً و لكوني بعيد عن السياسة كان لا يطيل بالبقاء عندي و يكتفي بتعليق بسيط و في كل مرة اتسأل كيف لهذا الرجل ان يتحمل طوال هذه السنين ان يخوض في السياسة و يتعمق بها و هو على هذا الحال و ان واحد غيرة لكان اصبح من ارباب السياسة و كون حزب لخبرته الطويلة في قراءة اخبار الجرائد عجباً هو على حاله كل هذا الوقت الطويل , قررت ان اتكلم معه في الموضوع عندما يأتي .
كنت قد شربت ثلاثة (استكانات ) من الشاي ابو الهيل الذي يعده العم ابو جواد و لا اكتمكم سراً ان الشاي عند ابو جواد له مذاق خاص و لا يمكن لإي امرأة ان تجيد طبخ الشاي كما يفعل ابو جواد و الخصوصية الاكثر عندما يقبل الينا بوجهه البشوش الضاحك برغم المه الحاد فهو اب لتسعة بنات و ليس له ولد و نحن نناديه ابو جواد لكون اسمه كاظم و هذه كنيته , وعاد العم ابو الجرائد لكي يمارس عمله المعتاد في جمع النقود و خوض الحديث لحين قدوم وقت صلاة الظهر فيتوجه معظم الباعة في السوق الى الجامع و في الطريق كان يتكلم ايضاً و لم يضيع دقيقة واحدة دون تعليق , قلت له يا عم كيف لك ان تقضي كل هذه المدة في قراءة المواضيع السياسية الم تمل يوماً
- قال لقد قضيت ذلك خلال 40 سنة
- اذن انت عميد باعة الصحف
- لقد احببت الصحف لانها تستهوي المثقفين وهي اداة للتفتح العقلي و الذهني
- و لكثرة القراءة كان يجب عليك الان ان تكتب في احدى الصحف الم تجرب ذلك ؟
تبسم العم و قال بإبتسامة غريبة
- يا بني انني رجل امي لا اجيد القراءة و الكتابة
كانت الدهشه و الحيرة و التعجب تسيطر علي حيث كان الاستغراب واضح بادرني على عجل و قال
- لا تتعجب !؟
- وكيف لا وانت تناقش و تعلق على المواضيع
- هذا صحيح انا اذهب الى القهوة و اجلس هناك و استمع للذين يقرأون و يتناقشون في كل المجالات حتى في الشعر و السياسة و الامور الاجتماعية كذلك
- عجباً !!؟ و لمذا تحمل الاقلام اذن ؟
- ان القلم هيبة و يعطي شعور للمقابل ان من يحمل القلم يقرأ و يكتب كما اني اشعر بالارتياح و كان ذلك حافزاً لاولادي طالما كان القلم معي احمله فأنهم سوف يحبونه
- انا كنت اظن انك تستطيع ان تؤلف الكتب و تكتب الاشعار
- هذا ما يضنه الكثير و هو يعود لكوني احمل القلم
يا بني لا تهمل القلم و القراءة لانهما سبيل الاحترام و الرقي و الوصول اسرع الى مبتغاك و ان تعلم اطفالك و تفرض عليهم الاحترام بالقلم و انظر انا في هذا العمر في بيع الصحف لم اتقدم خطوة واحدة بسبب عدم تعلمي القراءة و الكتابة
و منذ تلك اللحظة قررت ان اقرأ و اقرأ و ازداد قراءة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق