قالت المدرسة : عليكن يا فتياة ان تحصدن الجوائز و الهدايا لكونكن الافضل دفئً و الاكثر تألقاً في كتابة الشعر و الخواطر و في قلوبكن طاقة من العطف و الحنان لا مثيل لها عند كائنٌ اخر سوف ترفعن رؤسنا عالياً اليس كذلك ؟
قلن بصوت واحد سوف نكون كما تحبين يا استاذه
حين عادت الى المنزل كانت متأكدة تماماً انها سوف تأخذ الجائزة و تنال الاحترام و التقدير لان والدها شاعر و له كتابات كثيرة برغم انه لم ينشرها في كتاب او جريدة على الاطلاق و انها بقت حبيسة الرفوف طوال سنين فإنها لن تفقد بريقها و إن علاها الغبار لذا كانت و كلها ثقة انها سوف تخوض المسابقة و تنجح في حصد الجوائز و قد اخذها الخيال الى المنصة و هي تنطق بعذب الكلام و رقة الصوت امام الشعراء و هم يصفقون لها و هي فرصة كبيرة لكي يتعرفوا الى ذلك الشاعر المغمور الا وهو ابوها الرائع .
على مائدة الطعام جلست بقرب والدها و قالت غداً سوف يكون موعد القراءة التجريبية , ارجوا ان لا تكون قد نسيت ما وعدتني به
قال انا اسف بنيتي العزيزة لم اقدر ان اكتب لك شيء جديد كنت مشغولاً اعتذر يا حلوتي
قالت: انا وعدت الاستاذة بأجمل قصيدة و هي تعتمد عليَّ جداً
قال : اسف جداً كنت لا اريد ان اضعكِ بمثل هذا الموقف و لكن للضروف حكمها
عندما رأى وجه ابنته واجماً قال لها : لكن هناك خزانتي و لكِ ما تختارين منها فلا تقلقي
رجعت البسمه الى محياها و نظرت الى والدها تلك النظرة البريئة و التي يملؤها الفخر بذلك الوالد القوي برغم الظروف التي مر بها عندما فقد ساقه في الحرب و المعاناة النفسية تغلب عليها و جعل تأثيرها ايجابي في حياته .
و لولا حبه الجامح نحو ابنتهِ لما سمح لاحد ان يقلب اوراقه القديمة و لكانت خيبة امل الى البنت التي وعدت استاذتها العزيزة عليها تلك الاستاذة الجميلة و الرقيقة صاحبة الروح السمحة لها الكلام البراق هي فعلاً سيدة
ذات قوة و رسوخ في مبادئها و مثل اعلى الى كل بنت طموحة تسعى الى المكانة المرموقة في وسط هذا الزحام و الزيف .
في الكثير من الاحيان كانت تقنع نفسها تلك البنت في تبرير عزوف مدرستها عن الزواج بالهاجس الذي هو اقرب الى عتقادات صحة بنظرها بأن الزواج سوف يجعل المرأة بعيدة كل البعد عن الشخصية التي تتمتع بها المدرسة الان .
فتشت في الدفاتر القديمة تبحث عن قصيدة تفهمها و لكن لم تجد في هذه الدفاتر سوى كتابات تصعب عليها فهمها مما عاد كدرها و عبوس وجهها و هي تردد يجب ان يكون هناك شيء جميل و قد نثرت جميع ما في الخزانة من اوراق الى ان وجدت محفظة من الجلد فتحتها و وجدت قصيدة و لكن ليست بخط يد والدها و شرعت تقرأها فوجدت ان الارض تطير بها و هاج في خوالجها انفعال مبهم و حلقت مع الزهور بعطورة المنعشة و حب اهتز له الفؤاد بلوعة
قالت : كم هذا جميل و ساحر انها سوف تكون ظالتي
ثم اخذت الحقيبة الجلدية و تفحصتا فوجدت ورقة اخرى , فتحتها و وجدت قصيدة اخرى و كانت بخط والدها و على ما يبدوا انها جواب للقصيدة الاولى و في ليلتها قرأتهما مراراً حتى نامت و الشوق يملئ فؤادها لتلقي هذه الكلمات و تسحر المستمعين .
تجمعن الطالبات يلقين قصائدهن مع حظور الاستاذة و هي تسمع و تصحح لهن الاخطاء كما تعلمنهن كيف يكون الالقاء فأنه فن من الفنون حيث تطرب الاذن الى الصوت و الطريقة فيشع الشعر الهاماً كما كانت تقول
و قامت طالبة تلوا الاخرى بالالقاء حتى وصل الدور لها و توجهت الى المنصة و بدأت قائلة : هناك قصيدتين الاخرى كرسالة و الثانية جوابها
القصيدة الاولى
هشيم قلبي اليك
عندما قالت الطالبة عنوان القصيدة انتفضت المدرسة قائمة و عينيها متجهة الى الطالبة و في الحال ايقنت ذلك و عادت بالجلوس
و بذلت جهداً لاستعادة وضعها السابق و بدأت تقرأ بصوت رقيق و عذب
هشيمُ قلبي اليك
أبعثُ جمرات دمعي إليك
لتطفئها بركةُ حبك
و أبعثُ هشيم قلبي إليك
أضعها في راحتيك
و اشكو الزمان
سويعات ضعفي
و وهن صوتي
و حبي اليك
يغتاله الردى
سنون رحلكَ
حبلُ مِشنقتي
أ ترضى ان يكون
كأسكَ المنون
اسقي به فؤادي
عنوةً
و انت الحبيب
و شوقي إليك
بساتين روحي العطشى
تروم عذب مياهكَ
و انت البعيد تحاكي الغروب
إليك .....إليك
متنفسي
و لا نسيم غير نسيمكَ
يدخل رئتي
حبيبي
اغرورقت عينيها بالدموع و عبثاً كانت تداري عبرتها و بالم يحز شراينها قالت المدرسة و بصوت متجهد أكملي الرد
و بدأت تقرأ
وداع الممات
من غير موتي يسبقني اليكِ
و جسدي المحمول يزف الانين
على راحتين الردى
و الكفن أزاري
رحلتي يا حبيبتي
زورقٌ صغير
في عرض بحر ٍ هائج ٍ
و النجاة من المستحيل
و الروح تسعى اليكِ
غير إن الليل طويل
و العمر ريحانةٌ قطفت
فكيف الوصول بساق ٍ بترت
و نزيف دمي سمٌ زعاف
يغتال جسمي
من غير موتي
يسعى اليكِ
..............
انزعي لباس الحزن عني
و إقلبي صفحات حبي
و اعتلي صهوة الحياة
لكون الحبيب بيد الممات
كفي و ايقني برحيلي
و انظري هذي الحتوم مصيري
عيشي حياة ً سعيدة
ملؤها سلالً نضيدة
بكل العطور و الزهور الفريدة
عيشي الحياة
عصفورةً غريدة
انتهت بعزف لحون الحزن و البكاء يحتل المكان و ركضت هذه المدرسة و قطر الدمع يتساقط كالمطر و هي تكفكفه و غابت حتى عن المدرسة و كان السؤال ما بها و مالذي جرى و هي لم تعود مرة اخرى الى المدرسة
و حين حكت لوالدها ما جرى كان قد سكت برهة من الزمن و عاد بالذاكرة الى ذلك اليوم حين ودعته بهذه القصيدة و هو أخبرها بأن الموت هو من يسبقه اليها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق