العودة من الموت
بعد الخصومة الطويلة و سنوات الفرقة بينه و بين عائلته
قرر أخيرا ردم الفجوة التي توسعت كثيراً في الآونة الأخيرة و قرر العودة إلى البيت
الذي ولد و ترعرع فيه و تعلم كل المثاليات التي رافقته طويلا , لم يكن القرار
مفاجئ إنما هو عزم و إصرار للعودة متجاهلا
رأي زوجته و أولاده و أصدقائه الكل لا يريدون أن يعود و هو يعلم تماما إنهم ينهونه
لأجل مصلحته لا غير و لكن قرر القرار المناسب و هذا ما أكده لهم و لم يتبقى وقت
كثير حتى يحزم حقائبه و يتوجه إلى المطار ثم
ينطلق نحو الوطن منذ وفاة والدته تنازع مع إخوته مما أدى به ذلك إلى المهجر حيث
اعتقد و اقتنع بفكرة الهجرة و خصوصاً عندما أتيحت له الفرصة الذهبية و من الغباء
التفريط فيها , و هو فعلا كان موفقا لاختيار هذا القرار الذي غير حياته و قلبها
بشكل ايجابي محت له أجزاء كثيرة من الماضي لكن بعد هذه السنون الطوال قرر العودة وهذا
لا رجعة فيه .
منذ انطلاقته الأولى وجد انه يسير لكن لا يتقدم قيد
أنملة و مهما بذل من جهد المسافة لا تتغير حتى شعر بالإعياء فركن إلى مقعد من
الخشب , أحسإن هذا المقعد احتضنه و أوثق جسمه بحزام أمان حاول مرارا أن يخلص نفسه
لكن بدون جدوى كلما حاول نزعه يضيق الخناق عليه ثم نظر إلى السماء وجدها تتحرك
بمرور الزمن السريع فشهد حلول الظلام بسرعة حتى شاهد أول نجمة بزغت كأنها هالة من
إشعاع و فجأة صدر صوت أغلق سمعه و لم يعد يسمع سوى نفسه تتحدث إلى شخص لم يلتقي به
من قبل حاول الإنصات إلى الحديث غير إن اللغة التي يتحدثون بها لا تشبه لغتنا
بتاتاً كأن نفسه انسلخت عنه على غير هيئة مكونه صورة بشعة اشمأز منها هذه أول مرة يشعر
بهذا الشعور حيال نفسه التي تشبث بها هي امتزجت به مع تفاصيل جسده , كذب كل ما حدث
و أعزى ذلك إلى التعب لكون السفر متعب و الجلوس الطويل يسبب الإعياء ثم نظر إلى
نفسه وجدها تلك التي عهدها لم تتغير فقال لها كيف حدث ذلك اخبريني . قالت : من
البديهي أن أتحول لأننا قادمون على خطوة جريئة جداً ربما نحتاج تلك الصور لأننا لم
نعرف ما الشخوص التي سوف نذهب إليها و ما تحمله أنفسهم إلينا لذلك من الواجب أن
أجد صورة مرعبة و لغة مختلفة ربما تتناسب مع ما نتوقع قال لها : حبيبتي نفسي من لي
غيرك انت ,لكن أنا اعرف نفوس من تركت و ذهبت عنهم لا تخافي منهم ابدآ هوني عليك
ذلك ليس بجدير قهقهت نفسه و قالت : ساذج ؟!! أنت ضعيف الإرادة قليل الخبرة في
التعامل , كثيراً ما أوقعتنا مع عدونا الضمير في معارك شتى
نحن في غنى عنها ألان...أرجوك.... ركز جيداً انك تركتهم مع البراءة و اليوم انقرضت البراءة من الوجود و ليس من المعقول أن
يحتفظوا بها رغم تلك السنين التي انصرمت و أبادها طوفان الحياة الجارف , أنت
بالذات أنت لا تعرف أغوار النفوس مثلي أنا ... أرجوك... تنحى جانباً .
انه نفس الشارع بتفاصيله التي تركتها حتى الشجيرات كما
هي لم تطول او تكبر و هذا حانوت الشيخ ببابه المخلوع لم يتغير انه شيء مثير و كأني
تركته بالأمس انه ضرب من الخيال و على ما يبدوا اني فعلا تركتها بالأمس حتى هذه
الارجوحة التي نصبها الصبية بالأمس هناك في مكانها ايعقل بعد كل السنين التي مضت
بقت هناك.
و بخطى مثقلة توجهت الى البيت الذي كان مثواي لفترة ليست
بالقصيرة و بهيئته نفسها لم تتغير و الباب الخشبي المثقوب كما هو مما جال في خاطري
اني في حلم اكيد و لكن تبدد هذا الاعتقاد عندما دخلت البيت فوجدت الجميع جالسين
يتكلمون عني , دخلت و هم لم يعيروني انتباه
سلمت عليهم لكن لم يرد احد منهم ناديت عليهم لا جدوى انهم اخوتي و اخواتي بتفاصيل وجوههم
التي لم تتغير و ملابسهم التي كانوا يرتدونها حينما غادرت و كأني عدت الى النقطة
التي هاجرت فيها و ابتعدت عنهم و رحلت لم
اعد اشعر بشيء و من هول الصدمة تسمرت مكاني و تشوش فكري ناديت نفسي اين انت لماذا
لا تحدثيني الان هيا اخبريني ماذا يجري ,
الكل اصبحوا اطياف النفوس و الاجسام خيالات تتحرك و
تتنفس و تتحدث امامي لكنها ليست كذلك أُحس بوجودها وهم لم يشعروا بوجودي مطلقاً و
كأني روح هائمة في عالم غير مرئي او في داخل فقاعة تسبح في فضاء الدنيا على خط
حياتي الماضية .
لم تمضي الا ساعات قليلة و بدأت الحياة تسير كما يسير شريط الذكريات
بسرعة و وجدت عائلتي تشتبك بمصاعب الدنيا يوما بعد يوم و رأيت كيف احتدمت الصعاب و
المواجهات العنيفة بين الناس و الحياة القاسية و اختبارات الظروف و المتاهات
المفروضة على بلدي و بلد عائلتي من قِبل الارهاب و التآمر العالمي الاستعماري حتى
وصل الامر الى استعمار النفوس لبعضها كما ان عائلتي بدأت بالتكتل على شكل مجموعة مؤيدة و مجموعة معارضة
و سادة الفوضى و شممت روائح التفرقة و الانحلال ووصل الامر الى تقسيم البيت الذي
كان قد جمعنا يوما ما .
تسلل اليأس الى ارجائي و اعلنت الانسحاب الى عالمي حيث
كنت و قررت العودة لكن هتاف نفسي خرق ذهولي و قالت حقاً تريد العودة قلت : نعم ..
لا اريد البقاء و ارى بعيني كيف يتقاتلون فيما بينهم قالت لا يهم ما يفعلون لان
الاموات لا تحسب افعالهم قلت : و هل هم
اموات قالت : نعم انهم ماتو حين رحلت عنهم قلت : كيف لقد رايتهم و سمعتهم و
شهدت احداثهم ليس من المعقول ان يكونوا اموات انهم احياء قالت نعم احياء في هواجسك
فقط و في عمق ذنبك الذي لا يغتفر قلت : لست الملام بل انتي فعلتي فعلتك هذه بواسطة
وسوستك الي بالرحيل عنهم تبا لك انك متآمرة مع الغرباء متآمرة مع الاعداء انت من شحذ سيوف الغدر الا تبت يدك
.....الا تبت يدك .... هكذا تصاعدت الاصوات من كل حدب و
صوب في صخب دائم الا تبت يدك .. و هي كانت
تقهقه بكل قوة .